الأمانة على الامتحانات للشيخ: محمد بن صالح العثيمين
الأمانة على الامتحانات - الخوف و الانتباه للابتلاءات و المحن
للشيخ: محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله أحمده وأشكره وأتوب إليه سبحانه وأستغفره قضى بالحق وأمر بالعدل
وهو السميع البصير وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد وهو على كل شئ قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام بعبادة ربه
ونصح أمته وبلغ البلاغ المبين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه
والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين
أما بعد
أيها المسلمون فقد قال الله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما
يعظكم به إن الله كان سميعا يصيرا ) وقال تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على
السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه
كان ظلوما جهولا) سبحان الله ما أظلم الإنسان وما أجهله تعرض الأمانة على
السماوات والأرض والجبال فيمتنعن عن حملها ثم يأتي الإنسان فيتحملها نعم
إن الإنسان هو الذي تحملها بما وهبه الله من عقل وبما أعطاه من إرادة
وتصرف( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست
بربكم قالوا بلى شهدنا ) إن الأمانة أيها المسلمون مسئولية عظيمة وعبء
ثقيل على غير من خففه الله عليه إن الأمانة التزام الإنسان بالقيام بحق
الله وعبادته على الوجه الذي شرعه مخلصا له الدين وكذلك التزام بالقيام
بحقوق الناس من غير تقصير ونحن بني آدم قد تحملنا الأمانة وحملناها على
عواتقنا والتزمنا بمسئوليتها وسنسأل عنها يوم القيامة فيا ليت شعري ما هو
الجواب اذا سئلنا في ذلك اليوم العظيم اللهم انا نسالك تثبيتا وصوابا أيها
المسلمون إن الله أمرنا أن نؤدي الأمانات إلى أهلها وأمرنا إذا حكمنا بين
الناس أن نحكم بالعدل وهذان أمران لا تقوم الأمانة إلا بهما أداء الأمانات
إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل وإننا الآن على مقربة من اختبارات
الطلبة من ذكور وإناث وان الاختبارات أمانة وحكم فهي أمانة حين وضع
الأسئلة وأمانة حين المراقبة وحكم حين التصحيح أمانة حين وضع الأسئلة يجب
على واضعيها مراعاته بحيث تكون على مستوى الطلبة المستوى الذي يبين مدى
تحصيل الطالب في عام دراسته بحيث لا تكون سهلة لا تكشف عن تحصيل ولا صعبة
تؤدي إلى التعجيز والاختبارات أمانة حين المراقبة فعلى المراقب أن يراعي
تلك الأمانة التي ائتمنته عليها إدارة المديرية ومن وراءها وزارة أو رئاسة
وفوق ذلك دولة بل ائتمنه عليها المجتمع كله فعلى المراقب الذي يراقب
الطلبة حين الاختبار أن يكون مستعينا بالله يقظا في رقابته مستعملا حواسه
السمعية والبصرية والقلبية يسمع وينظر ويستنتج من الملامح والإشارات على
المراقب أن يكون قويا لا تأخذه في الله لومه لائم عليه أن يمنع أي طالب من
الغش أو محاولة الغش لأن تمكين الطالب من الغش هو الغش وقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم: ( من غشنا فليس منا ) وتمكين الطالب من الغش ظلم لزملائه
الحريصين على العلم المجدين في طلبه الذين يرون من العيب أن ينالوا درجة
النجاح بالطرق الملتوية إن المراقب إذا مكن أحدا من هؤلاء المهملين
الفاشلين في دراستهم اذا مكنهم من الغش فأخذوا درجة نجاح يتقدمون بها على
الحريصين كان ذلك ظلما لهم وكان كذلك ظلما للطالب الغاش وهو في الحقيقة
مغشوش حيث انخدع بدرجة نجاح وهمية لم يحصل بها على ثقافة ولا علم إن تمكين
الطالب من الغش خيانة لادارة المدرسة وللوزارة أو الرئاسة التي من وراءها
وخيانة للدولة وخيانة للمجتمع كله وان تمكينه من الغش أو تلقينه الجواب
بتصريح أو تلميح ظلم للمجتمع وهضم لحقه حيث تكون ثقافة المجتمع ثقافة
مهلهلة يظهر فشلها عند دخول ميادين السباق ويبقى مجتمعنا دائما في تأخر
وفي حاجة إلى غيرنا وذلك لان كل من نجح عن طريق الغش لا يمكن اذا رجع
الأمر الى اختياره أن يدخل مجال التعليم والتثقيف لعلمه أنه فاشل فيه وان
تمكين الطالب من الغش كما يكون خيانة وظلما من الناحية العلمية والتقديرية
يكون كذلك خيانة وظلما من الناحية التربوية لان الطالب بممارسته الغش يكون
مستسيغا له ويهون عليه في نفسه فيتربى على الغش ويربي عليه أجيال المستقبل
(ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم
القيامة) ان على المراقب على الطلبة ألا يراعي شريفا لشرفه ولا قريبا
لقرابته ولا غنيا لماله ان عليه ان يراقب ربه الذي يعلم خائنة الاعين وما
تخفي الصدور أيها المسلمون ان الاختبارات حكم حين التصحيح فان المعلم الذي
يصحح الاجوبة ويقدر درجاتها ويقدر درجات سلوك الطلبة هو حاكم بينهم لأن
أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي فاذا أعطى طالبا درجات
أكثر مما يستحق فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره وهذا جور في
الحكم واذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه فكيف يرضى بنفسه أن
يقدم على أولاد الناس من هو دونهم ان من الاساتذة من لا يتقي الله عز وجل
لا يتقي الله في تقدير درجات الطلبة فيعطي أحدهم ما لا يستحق اما لأنه ابن
صديقه او قريبه او ابن شخص ذي شرف او مال او رئاسة ويمنع بعض الطلبة ما
يستحقه من الدرجات اما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب و بينه وبين أبيه أو
غير ذلك من الاسباب وهذا كله خلاف العدل الذي أمر الله به ورسوله فاقامة
العدل واجبة بكل حال على من تحب ومن لا تحب فمن استحق شيئا وجب إعطاؤه
اياه ومن لا يستحق شيئا وجب حرمانه منه أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبد
الله بن رواحه الى اليهود في خيبر ليحرث عليهم الثمار والزروع ويضمنهم ما
للمسلمين منها فأاراد اليهود ان يعطوه رشوة فقال رضي الله عنه منكرا عليهم
(تطعمونني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس الي يعني رسول الله صلي
الله عليه وسلم ولأنتم يعني اليهود لأنتم أبغض الي من عدتكم من القردة
والخنازير ولا يحملني بغضى لكم وحبي اياه الا أعدل عليكم ، فقالوا بهذا
قامت السموات والأرض) فتصوروا أيها المسلمون بل تأملوا هذا الكلام العظيم
من عبد الله بن رواحه رضي الله عنه كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم
من محبة أي إنسان ويبغض اليهود أشد من بغض القردة والخنازير حب بالغ
للرسول صلى الله عليه وسلم وبغض شديد لليهود يصرح بذلك رضي الله عنه
لليهود ثم يقول لهم لا يحملني بغضى لكم وحبي اياه الا أعدل عليكم رضي الله
عن عبد الله بن رواحه ورضي الله عن جميع الصحابة ان العدل أيها الاخوة لا
يجوز ان يضيع بين عاطفة الحب وعاصفة البغض يقول الله تعالى (يا أيها الذين
آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا
تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى فاتقوا الله ان الله خبير بما تعملون) ويقول
تعالى ( وأقسطوا ان الله يحب المقسطين ) أي اعدلوا ويقول تعالى ( وأما
القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) والقاسطون هم الجائرون وهم من حطب جهنم
والمقسطون هم العادلون وهم من أحباب الله عز وجل وفي الحديث الصحيح عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( إن المقسطين على منابر من نور عن يمين
الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )
وقال صلى الله عليه وسلم (أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل
رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال ) فاتقوا الله
عباد الله وكونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين
والاقربين وفقني الله وإياكم لأاداء الأمانة والحكم بالعدل والاستقامة
وثبتني وإياكم على الهدى وجنبني وإياكم أسباب الهلاك والردى إنه جواد كريم
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين فاستغفروه انه هو
الغفور الرحيم .....
الحمد لله الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من
شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
له وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم باحسان وسلم تسليما
أما بعد
أيها الناس فقد قال الله تعالى ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى
يتبين لهم أنه الحق ) أيها المسلمون أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه
سيرينا آياته في الآفاق وفي أنفسنا حتى يتبين لنا الحق وأن ما جاء به
رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق أيها المسلمون ان المعاصي في
زمننا هذا قد كثرت وإن الآيات المعددة المنذرة قد كثرت وان القلوب قد مرضت
وقست ما أكثر ما نسمع من المواعظ وما أكثر ما نسمع من النصائح ولكن القلوب
قاسية والاذان غير سامعة أيها المسلمون إن الله تبارك وتعالى أهلك قوم نوح
بالغرق يقول الله تبارك وتعالى (كذبت قبلهم قوم نوح............... فكيف
كان عذابي ونذر) بين الله تعالى أنه نصر عبده نوح ففتح ابواب السماء بماء
منهمر (وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) وعلا الماء على
رؤوس الجبال حتى أغرق أهل الأرض كلهم الذين كذبوا بنوح عليه الصلاة
والسلام وأخبر الله تعالى عن عاد الذين استكبروا في الأرض وقالوا من أشد
منا قوة فبين الله تعالى أن الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أرسل الله عليهم
هذه الريح اللطيفة (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم
فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) أهلكتهم جميعا وهم الذين يقولون من أشد
منا قوة وأرسل الله تبارك وتعالى على قوم لوط أرسل الله عليهم حاصبا من
السماء حتى دمر بلادهم فجعل عاليها سافلها (إنا أرسلنا عليهم حاصبا الا آل
لوط نجيناهم بسحر ) و عقلت ثمود الرجفة رجف الله بهم الأرض (فأصبحوا في
ديارهم جاثمين) هلكى كنفس واحدة هذه العقوبات التي أخبرنا الله تعالى عنها
في كتابه هي حق وصدق وقد شاهد الناس في زمننا هذا ما هو من جنسها فان الله
تبارك وتعالى يزلزل بالأرض حتى يدمر القرى والبلاد وهذا من جنس الرجفة
التي أخذت قوم صالح والله تبارك وتعالى يرسل من السماء بردا كبيرا فيهلك
ويدمر حتى اننا سمعنا انه في هذا الصيف نزلت سحابة بالبرد حتى دمرت أكبر
من اربعمائة من الغنم وهذا من جنس الحاصب الذي أهلك الله به قوم لوط وأرسل
الله تبارك وتعالى الفيضانات من الأنهار والثلوج والامطار حتى دمرت ما
دمرت من أموال الناس وهذا من جنس الغرق الذي أصاب قوم نوح والله تبارك
وتعالى بين ذلك لأجل ان نتعظ ولأجل ان نتبصر ولأجل أن نرجع الى الله عز
وجل وما هذا الذي أصاب الناس من جراء جريان هذا الوادي العظيم فدمر
مزارعهم وحمل نخيلهم و أفسد أموالهم ما هذا الا عبرة لمن اعتبر علينا ألا
تمر هذه الآية وهذا الإنذار ألا يمر علينا مر الرياح التي لا تؤثر علينا
أن نتعظ و أن نتبصر علينا ألا نقف أمامه متفرجين فقط ولكن متبصرين ومتعظين
إن هذا الضرر الذي أصاب أقواما منا انه ليس ضررا عليهم فحسب ولكنه ضرر
عليهم و وعلينا لأنه يؤثر في اقتصادنا ومحصولنا من المزارع فعلينا ان نلجأ
الى الله عز وجل وأن نتوب اليه وأن نرجع اليه وأن نتمسك بهديه وشريعته حتى
لا يصيبنا ما هو أعظم وأضل وان الحروب الطاحنة كما تشاهدونها قريبا من
حدودنا إنها تهددنا واننا في غفلتنا سادرون فانا لله وانا اليه راجعون
أسال الله تعالى ان يوقظ قلوبنا وأن يبصرنا باياته وأن يرزقنا الخوف منه
وأن يرزقنا الرغبة اليه وأن يوفقنا للقيام بما أوجب علينا من شريعته حتى
نكون له عبادا صالحين وحتى نكون هداة مصلحين انه ولي ذلك والقادر عليه
واعلموا أيها الاخوة أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى
الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة
ضلالة فعليكم بالجماعة فان يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما ( إن
الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما) اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته
واتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم
أسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم
اللهم ارض عن خلفائه الراشدين وعن أولاده وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن
الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ارض عنا معهم
وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم أعز الإسلام
والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأزل الشرك والمشركين ودمر أعداء
الدين واجعل بلدنا هذا آمنا وسائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في أوطاننا
وأصلح رعيتنا وولاة أمورنا اللهم هيئ للمسلمين ولاة صالحين يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ويحفظون حدود الله اللهم أصلح ولاة أمور
المسلمين صغيرهم وكبيرهم اللهم اصلح ولاة أمور المسلمين صغيرهم وكبيرهم
اللهم اصلح ولاة أمور المسلمين صغيرهم وكبيرهم يا رب العالمين اللهم من
كان من ولاة أمور المسلمين مقيما لشرعك ناصحا لعبادك متبعا ما يرضيك فثبته
على ذلك وأيده يا رب العالمين اللهم من كان من ولاة أمور المسلمين على غير
ذلك فاهده اليك أو أبدله بخير منه يا رب العالمين اللهم أصلح بطانة ولاة
أمور المسلمين اللهم اصلح بطانة ولاة أمور المسلمين اللهم اصلح بطانة ولاة
أمور المسلمين اللهم هيئ لهم بطانة صالحة تدعوهم الى الحق وترغبهم فيه
وتحذرهم من الشر وتبغضه إليهم يا رب العالمين اللهم من كان من بطانة ولاة
أمورنا ناصحا لهم وناصحا لشعبنا فثبته على ذلك وارزقهم محبته وتقريبه
إليهم يا رب العالمين اللهم من كان من بطانة ولاة أمورنا على غير هذا
الوصف فابعده عنهم وارزقهم بغضه وهيئ لهم بدله صالحا يا رب العالمين ربنا
اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين
آمنوا انك رؤوف رحيم عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي
القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون وافوا بعهد
الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم
كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه
على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
(خطبة مفرغة للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله و غفر له)