التعليم هو حدوث أي تغير دائم
نسبياً على السلوك أو المعرفة تسببه مجموعة تفاعلات معينة، بين الفرد
وبيئته. ومن النظريات التربوية للتعليم والتعلم: نظرية المشاهدة .
فكيف يتم التعليم عن طريق المشاهدة؟
التعليم عن طريق المشاهدة أو ما يسميها علم النفس التربوي "النموذجيه" يتم
عن طريق مشاهدة نموذج ما وتقليد هذا النموذج، ويحدث هذا باستمرار في غرفة
الصف، فالطفل قد يرى زميلاً له يدرس بجد ومثابرة فيقلده بذلك، ويرى معلمه
بحركاته وسكناته، وسلوكه وتصرفاته فيحاكيه بغرام، لأنه في نظره النموذج
الأمثل .
لكي ينجح التعليم عن هذه الطريق لا بد أن تتوافر له العناصر التالية:
أولاً: الإنتباه: يعد الانتباه شرطاً ضرورياً من شروط الملاحظة والمشاهدة
الناجحة، ويتميز الانتباه بوجود حالة تهيؤ أو تأهب عقلي يمارسها الفرد لكي
يحس أو يدرك وقائع أو ظروف أو أشياء مختارة، ومن مشكلة المشاكل في التدريس
مسألة : كيفية ضمان المعلم انتباه الطلبة إلى الدرس ! فمن الواجب أن يكون
الدرس باعثاً على السرور والانتباه، وأن يسلك المعلم إلى ذلك أسهل الطرق
وأقربها حتى يجتذب قلوب الطلبة ويملك زمام نفوسهم فتنشط بذلك عقولهم.
والمعلم بعيد النظر هو الذي يربط بين الانتباه والاهتمام وذلك باستغلال
عواطف الطلبة وهواياتهم كما يربط الدروس بمهارة حول هذه الاهتمامات
ليكوِّن لديهم عواطف حُب الأشياء المدرسية المختلفة، ويغرس فيهم حباً
للمادة التي يُدَرِسُها لتصبح عملاً يشوقهم لا واجباً مفروضاً عليهم، فإذا
ما تكونت هذه القناعة عند الطلبة فإنهم يقومون على تربية أنفسهم بأنفسهم
ناظرين إلى المعلم باعتباره صديقاً ومرشداً لهم فيما يقومون به، وهذا هو
المثل الأعلى الذي نهدف إليه.
ثانياً - الذاكرة: وهي محاولة تذكر ما رآه الطلبة وما سمعوه . وقد أجمعت
الدراسات العلمية الحديثة على أن الانتباه والمقدرة على التركيز حول موضوع
معين من أهم عوامل الذكاء ودعامة من أهم دعائمه .
ثالثاً - مهارات الانتاج: وهي التدرب على تطبيق السلوك والمعرفة تطبيقاً
عملياً في الحياة المعاشة ، وذلك بتوجيه نشاط الفرد وتفكيره على أساس أنه
سيتخرج ويشترك مع المجتمع في حياته وانتاجه وعليه أن يبذل الجهد في حل
مشاكل مجتمعه ويعمل على رفعته ورفاهيته.
رابعاً - التعزيز: لقد شعر علماء النفس منذ أمدٍ بعيد بقيمة التعزيز
وأهميته في عملية التعليم ، وهو يعد من الحوافز الهامة في رفع المستوى
السلوكي والمعرفي عند الطلبة .
فالتعزيز الذي يحصل عليه طالبٌ من معلمه لعمل جميل قام به قد يدفع الآخرين
من الطلبة ، عن طريق الملاحظة المحسوسة والمشاهدة الواقعية ، للقيام
بأعمال مشابهة لنيل مثل هذا التعزيز .
ومن هنا يبدو أن التعزيز، لا تنحصر وظيفته في إشباع الحاجات الأساسية عند
الطلبة كما يرى ذلك بافلوف وسكنر وإنما تتعداها لتزويد الطلبة بالإضافة
إلى ذلك بالمعلومات عن أهمية وقيمة بعض السلوكيات.
إن نظرية التعليم عن طريق المشاهدة تهدف إلى تمكين الطلبة من المشاركة في
جوانب إدارة الذات في العملية التعليمية بحيث يستطيعون تحديد أهدافهم،
وملاحظة مستوى تقدمهم، وتعزيز أنفسهم على ما حصلوا عليه من التعليم .
ويبرز هنا دور المعلم في تقدير ذاتية الطلبة وإدراك أن لكل طالب ذاتية
خاصة يجب احترامها والعمل على تقويتها وأن هذه الذاتية هي التي تمنحهم
الفرص وتمكنهم من إبراز شخصياتهم.
فالمعلم النموذج والمربي الحكيم هو الذي يدرب الطلاب على أن يعبروا عن
أنفسهم ويراقبوا أعمالهم ، وأن يضبطوا ويوجهوا أنفسهم . وهذا المربي لا
يتدخل إلا إذا طُلب ذلك منه ووجد أن لا بد من تدخله وتقديم المساعدة فيدل
حينها على خير الوسائل وأحسن الطرق دون أن يفرض شيئاً . هكذا يتعلم الطالب
ضبط نفسه، وتوجيه أعماله بما يرتضي لنفسه فيشعر بالمسؤولية عن عمله،
وبالمتعة في إنجازاته .
وعندما يجانب المعلم ويهمل هذه الأمور يتخرج الطالب ضعيف الشخصية، خائر
العزم، لا يستمتع بعمل أداه، ولا يفخر بنتيجة وصل إليها، لأنه يشعر بأن
الفضل ليس له بل لغيره .
إن التربية الحرة هي التي تُعد المواطن المستنير الحر لحياة العمل
الاستقلالية، والمعلم هو النموذج الرسولي لهذا المواطن الحر، ولا ندخل في
دائرة المبالغة إذا قلنا كما قال التربوي والمصلح الاجتماعي جورج.س.كويتس:
المعلمون وحدهم هم مستودع الحكمة البشرية .