القراءة الصامتة وأخطاء شائعة
لعل الغاية من التعلم في أولياته هي لمجرد الوصول لمعرفة ما تدل عليه
الحروف وضم بعضها إلى بعض لتكوين الكلمة ثم الجملة لنصل إلى القراءة، حيث
تبدو القراءة أو القدرة عليها غاية في تعلم الطالب إبان دخوله المدرسة.
ولكنه حين يتقن هذه المهارة وهي القراءة ينتظر منه أن يوظفها لزيادة
معارفه وتوسيع مداركه وقبل ذلك تحصيل بقية العلوم النافعة.
ومن هنا يمكننا القول: إن الطالب (يتعلم ليقرأ ثم يقرأ ليتعلم) وهذه
الفرضية التي تجعل القراءة محوراً للتعلم كغاية أولاً ثم كوسيلة ثانياً
تلفت النظر إلى عظم تلك القدرة التي حبا الله بها بني آدم ودلهم عليها
ووجههم إلى قدرها {اقرأ باسم ربك الذي خلق} (سورة العلق: الآية 1).
والقراءة على هذه الاعتبارات أحد أهم المهارات التي يملكها الإنسان والتي
تعد عملية عضوية نفسية عقلية، تبدأ بالرمز المكتوب وهو الحرف لتصل إلى
المعنى الذهني مروراً بالصوت الذي يعبّر عنه الرمز لتأتي بذلك مراحل
متطورة من تفاعل القارىء مع ما يقرأ إلى توظيف المادة المقروءة.
وهنا نعتبر تحقيق هذه العناصر هو بذاته ما تنشده العملية التربوية التعليمية من القراءة.
ويقسم المختصون القراءة قسمين:
ــ صامتة.
ــ صائتة (جهرية).
حيث ينعدم الصوت وتحريك الشفتين وبقية أعضاء النطق في الصامتة، في حين يسمع صوت القارىء في الصائتة.
ويضيف بعضهم نوعاً ثالثاً من القراءة هو (قراءة الاستماع) إذ يعد قراءة
أحدهم واستماع الباقين دون النظر في المادة المقروءة نوعاً ثالثاً من
أنواع القراءة.
ويخرج بعض الباحثين هذه المهارة من أقسام القراءة ليجعلها مهارة لغوية مستقلة بذاتها هي مهارة (الاستماع).
ومهما يكن الخلاف في عد هذا النوع من القراءة أو جعله مهارة لغوية مستقلة،
فالجميع يؤكد على أهميتها وجدواها التعليمية والمهارية بالنسبة للمتعلم.
والحديث يطول عن القراءة وعناصرها وأنواعها ومزايا كل نوع، فضلاً عن
الحديث عن طرائق تعليمها. ولكنني هنا أعمد للحديث حول قسم واحد من أقسام
القراءة لا متحدثاً عن مفهومه ومزاياه، وإنما معرجاً على ممارسات لا
تتواءم وأهداف هذا القسم من القراءة أو تتنافى مع ما ينتظر من المتعلم في
مراحل حياته المتقدمة كما سأبين.
وهذا القسم هو القراءة الصامتة أكثر أقسام القراءة ممارسة لدى المثقفين
سواء في مراحل التعليم العليا أو في المكتبات ومراكز البحث، بل حتى لدى
الموظفين في دوائرهم المختلفة وهو إلى جانب هذا وذلك أسرع أقسام القراءة
استعراضاً للمقروء وأكفؤها فهما له.
فمن هذه الممارسات الخاطئة التي يكرسها أسلوب تعليم مادة القراءة أو
المطالعة وغيرها من المواد لدى بعض المعلمين عن جهل أحياناً أو عن تجاهل
أحياناً أخرى:
استعمال الإصبع (أو القلم) في تتبع الكلمات في السطر
وهذه الممارسة توحي بضعف قرائي لدى القارىء حتى وإن كان يحمل شهادة جامعية
حيث تسهم هذه العادة كذلك في التقليل من سرعة وكفاءة القراءة وربما كان
لبعض الأساليب التعليمية لدى بعض المعلمين الأثر الأكبر في تكريس هذه
العادة من خلال مطالبة المعلم لتلاميذه وضع الإصبع أو القلم على الكلمة
التي يقرؤها القارىء. إذ يعد المعلم الطالب الذي لا يضع إصبعه على السطر
غير متابع أو غير منتبه وهذا الأسلوب وإن كان معتمداً في علاج بعض حالات
صعوبات التعلم إلا أنه لا يصح بحال أن نلزم بها الطلاب الذي لا يعانون من
مشكلات. ومن المؤسف أن تستمر هذه الممارسة لدى بعض معلمي المرحلة الثانوية
ليبدو نتاجها واضحاً في الطريقة التي يقرأ بها طالب المرحلة الجامعية وما
بعد التخرج.
تحريك أحد أعضاء الجسم
وهذا الخطأ ربما وجدناه فيمن يمارس القراءة الصائتة كذلك، لكنه أظهر في
القارىء الصامت، فنجد بعضاً من القراء طول قراءته يحرك أحد أعضاء جسمه ـ
يده أو إصبعه أو رجلاً مثلاً ـ زاعماً أنه لا يستطيع أن يدرك معنى ما يقرأ
أو يركز إلا بهذه الحركة التي تعودها منذ الصغر. والحقيقة عكس ذلك تماماً،
فالقارىء الذي يحرك عضواً من أعضائه ستكون ـ بالتأكيد ـ سرعة قراءته أقل،
وربما تشتت تركيزه بسببها، وقبل هذا وذاك، سيكون مظهره غير مناسب إطلاقاً
وهو يقرأ جريدة في مكان عام مثلاً. والنصيحة لأصحاب هذا العيب من عيوب
القراءة أن يحاولوا التخلص منه بحزم حتى وإن كانت الحركة قليلة ويمكنهم
خلال فترة التدريب أن يستعينوا بصديق أو زميل لمراقبتهم وهم يقرأون
لينبهوهم لذلك.
تحريك الشفتين
ولعله من المناسب أن نبين أن أحد أهم أسباب كفاءة وسرعة هذا القسم من
القراءة في إنجاز المادة المقروءة هو تخففه من أعباء إصدار الصوت أو تحريك
بعض أعضاء النطق أو حدّها.
وتحريك الشفتين يضيف عبئاً لا طائل من ورائه بل هو يشتت الجهد ويستهلك
وقتاً ثميناً نسبياً. وهذا هو القول في تحريك الشفتين فكيف إذا صحب
تحريكهما إصدار صوت أو حركة للسان أو الفك، لاشك هنا في أن العبء سيكون
أكبر وبالتالي الوقت الذي تستغرقه القراءة أطول والقدرة على الاستيعاب
أقل. إذ يتشتت التركيز والجهد والوقت بين تحريك أعضاء النطق وإصدار الصوت
إضافة إلى ضبط اللغة والإعراب ومخارج الحروف.
الكسل القرائي
وأعني به تراخي الاستيعاب والفهم وتباطؤ تنقل البصر بين الكلمات والسطور
فآلية القراءة الصامتة تقوم على صور متولية تلتقطها العين، فالقارىء
المتقن السريع من تلتقط عينه أكبر مقدار من الكلمات في المرة الواحدة.
والقارى غير المجيد تلتقط عينه مقداراً أقل من الكلمات بل أحياناً جزءاً
من الكلمة كما ترى في الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية فالطالب في
بدايات تعلمه يقرأ الكلمة حرفاً حرفاً. وكذلك فإنه لدى القارىء غير المتقن
يفصل بين اللقطات التي تلتقطها العين وقفات أطول منها لدى المتقن ليستغرق
القارىء عشر دقائق في قراءة ما لا يحتاج إلا إلى ثلاث أو أربع دقائق ويكون
المسوغ للقراءة بهذا الأسلوب الكسول هو حفز القدرة على التركيز
والاستيعاب، وهذا خطأ بيّن إذ إن الإنسان يملك قدرة ذهنية هائلة، وفي حال
تعطيل هذه القدرة أو استغلال جزء قليل منها في قراءة كسولة يبقى لدى الذهن
كفاءة للتفكير في أمور خارجة عن المادة المقروءة، أي في الخيالات والهواجس
بل وأحلام اليقظة أحياناً وأثناء القراءة. لذا لابد من استثمار القدرات
الذهنية كاملة لدى القارىء في القراءة فقط.
كما يحسن بالمعلم أن يحفز طلابه على استغلال قدراتهم كاملة من خلال تحجيم
الوقت المتاح للقراءة الصامتة في حدود معقولة ومناسبة لحجم المادة المراد
قراءتها وعدم إطالته دون هدف. وكذلك من خلال رصد جوائز لمن ينجز القراءة
في وقت أقل، طبعاً مع الفهم والاستيعاب
المجلة العربية (يوسف الحمود)